بات في حكم المؤكد ان حركة »فتح« قد حسمت موقفها واقرت الذهاب الى المؤتمر السادس ، ومهما كانت الاسباب التي تكمن خلف هذا القرار الا انه في المحصلة النهائية يشكل استحقاقا داخليا ضروريا ، والاهم انه يأتي في ظروف مصيرية تمر بها الحركة ، فخسارة الانتخابات التشريعية قبل عامين وبعدها الهزة العنيفة اثر الانقلاب الدموي في غزة تجعل من المؤتمر ضرورة موضوعية للاجابة على السؤال الاهم : الى اين حركة فتح ذاهبة ؟ واهم من هذا وذاك فان استشهاد القائد ابو عمار والذي ترك فراغا لا يستطيع اي شخص في الحركة ان يملأه بمفرده فرض على الحركة البحث عن طريقة جديدة لقيادة الحركة ، فياسر عرفات حجر الزاوية في النظام القيادي للحركة كان يقودها بقوة شخصيته ومقدرته الفذه على ادارة العمل السياسي والتنظيمي معتمدا على معادلة من المستحيل استمرارها بدونه لهذا فان غيابة عن المسرح التنظيمي للحركة يجعل من الضرورة ايجاد صيغة جديدة لقيادة الحركة تعتمد قوة المؤسسة وفاعليتها وتشريع تلك الصيغة لا يتم الا عبر مؤتمر عام للحركة .
واذا ما اخذنا في الاعتبار الوضع السياسي والتطورات السياسية على القضية الفلسطينية فان انعقاد المؤتمر يصبح اكثر من ضرورة ، حيث بات من الاهمية التوقف عند الاستراتيجيات التي تعتمدها الحركة كخط سياسي لها ونقاشها على ضوء السياسات الاسرائيلية التي تحاول فرض الامر الواقع عبر اقامة الجدار والتوسع الاستيطاني لتكون نتائج المفاوضات وفق تلك الوقائع مجرد اقرار وتشريع لتلك السياسات .
لكن انعقاد المؤتمر السادس للحركة له محاذير خطيرة ومهمة تجعل منه مفترق طرق مصيري واذا لم يحسن العمل على اخراج مؤتمر ناجح فانه سيؤدي الى مزيد من التشرذم والضعف للحركة ، لهذا فان التحضير الدقيق للمؤتمر يشكل اهم الضمانات لنجاحه ، والتحضير هنا ليس مهمة فنية صرفة ، وانما هي جزء اصيل واساسي من المؤتمر نفسه لان النجاح والفشل لا يقاس بالقرارات التي تصدر عن المؤتمر فحسب بل شكل وطريقة عقد المؤتمر تمثل عنصرا اساسيا من عناصر نجاحه ، وهنا لا نريد ان ندخل في نقاش فلسفي حول العلاقة بين الشكل والمضمون ولكن اكثر الحلات وضوحا يرتبط فيها الشكل بالمضمون هو المؤتمر السادس لحركة فتح حيث ان الشكل يحدد بطريقة واضحة المضمون.
والمؤتمر الذي يفترض فيه ان يناقش ويقر برامج الحركة السياسية والتنظيمية الداخلية منها والخارجية مهدد والى درجة كبيرة بان ينزلق تحت ضغوط المرحلة واستحقاقاتها ليتخذ -تحت تلك الضغوط - قرارات واجراءات تتجاوب مع متطلبات المرحلة على حساب ما هو استراتيجي ومصيري ومبدئي وبهذا تكون الحركة قد خسرت المستقبل من اجل الحاضر ، ومن الناحية الاخرى فان ضمان المستقبل لا يتم بتجاهل متطلبات المرحلة على اعتبار ان المستقبل هو الابن الشرعي للحاضر ، لهذا فان التوازن في قرارات واجراءات المؤتمر ما بين الحاضر والمستقبل ، الاستراتيجي والمرحلي ، الثوري والواقعي ، السياسي والتنظيمي ، الحركي والوطني ، الوطن والشتات ، السلطة ومنظمة التحرير ، الرسمي والشعبي ، المقاومة والمفاوضات التوازن الدقيق بين كل تلك التناقضات يمثل تحدياً جوهرياً واساسياً امام المؤتمر ، ولم يعد ياسر عرفات الذي يمثل كل تلك التوازنات ويجيد الى حد الذهول التعاطي معها موجودا لهذا فان التوازن المطلوب يكون بالبرامج والسياسات والتركيبة التنظيمية للحركة والتي مطالب المؤتمر بان يحسم فيها جميعها.