سجلت نتائج انتخابات اللجنة المركزية لحركة فتح، عبر ورشة عمل المؤتمر السادس، مؤشراً واضحاً على المناخ والمزاج السائدين بين أعضاء المؤتمر ودلت على توجهاتهم، وكذلك على حصيلة مواقفهم وخبراتهم السياسية الحزبية والتنظيمية، ومن ثم تركيزها بين يدي فريق العمل القيادي الذي تم اختياره لإدارة عمل الحركة خلال السنوات المقبلة، أي حتى انعقاد المؤتمر السابع.
فقد سجلت انتخابات اللجنة المركزية المضامين والمؤشرات التالية:
أولاً: تعاملت باحترام مع رموز التأسيس، أبو مازن وأبو ماهر غنيم وأبو الأديب.
ثانياً: قدرت عالياً دور ومواقف مروان البرغوثي وهو قيد الاعتقال الإسرائيلي.
ثالثاً: ردت الاعتبار لقادة الأجهزة الأمنية الثلاثة الذين تعرضوا للأذى والتشويه المتعمد من قبل "حماس" ومن قبل إسرائيل وهم توفيق الطيراوي وجبريل الرجوب ومحمد دحلان.
رابعاً: أعطت الاعتبار لكل من ممثلي الخارج وأبرزهم سلطان أبو العينيين من لبنان ومحمد المدني ( من قرية دبورية شمال مرج ابن عامر قرب مدينة الناصرة) وهي المرة الأولى التي تصل فيها إحدى الشخصيات من فلسطينيي مناطق 1948 لهذا الموقع القيادي.
خامساً: ردت الاعتبار إلى تنظيم قطاع غزة بما يستحقه من تقدير وتمثيل، ممثلاً بكل من سليم الزعنون ومحمد دحلان ونبيل شعث وناصر القدوة.
سادساً: أعطت أبناء الضفة الفلسطينية دورهم القيادي ممثلين بكل من مروان البرغوثي ومحمود العالول وجبريل الرجوب وصائب عريقات وعثمان أبو غربية وجمال محيسن وحسين الشيخ وعزام الأحمد وعباس زكي ومحمد إشتية.
سابعاً: منحت أصحاب الكفاءات الأكاديمية حصة معقولة ونصيبا مقدرا تمثل بصائب عريقات ونبيل شعث ومحمد إشتيه وناصر القدوة.
ثامناً: تعاملت باحترام مع خبرات التفاوض مع الإسرائيليين من مواقع الندية والمهنية، وهذا تعبير عن انحياز المؤتمر للخيار التفاوضي، وتمثل ذلك بصائب عريقات وجبريل الرجوب ومحمد دحلان وحسين الشيخ وتوفيق الطيراوي.
تاسعاً: كانت أبرز النتائج التنظيمية وأكثرها دلالة وعمقاً تغيير ثلثي أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، فقد نجح ستة فقط من الأعضاء السابقين بمن فيهم الرئيس نفسه، وأخفق الآخرون في استعادة مواقعهم القيادية، وكان ذلك بمثابة محاسبة من قبل المؤتمر، خاصة خلال السنوات الأخيرة التي هزمت فيها حركة فتح بشكل صارخ ومدو.
فقد كانت هزيمتها الأولى عام 2005 في الانتخابات البلدية، وهزيمتها الثانية في الانتخابات البرلمانية 2006، وهزيمتها الثالثة أمام انقلاب حركة حماس وحسمها الخلاف عسكرياً في 2007، وكان فشل حركة فتح ولا يزال عجزها في استعادة قطاع غزة إلى حضن الشرعية والسلطة الوطنية وقيم ومظاهر التعددية، وهو تحد سيبقى ملازماً لحركة فتح وعنوان نشاطها واهتماماتها طوال الأيام المقبلة، بما لا يقل عن تحدي وجود الاحتلال وتسلطه ومظاهره المختلفة، وأبرزها تهويد القدس وأسرلتها وصهينتها، ومواصلة الاستيطان ومصادرة الأرض وتمزيقها، إضافة إلى سياسة المداهمات والاعتقالات والاغتيالات البغيضة.
نتائج الانتخابات والدلالات المستخلصة ستعزز من قوة القاعدة والكادر التنظيمي باعتباره صانع قرار تشكيل القيادة ولجنتها المركزية ومجلسها الثوري، وهذا سيظهر في أداء أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري وفي طريقة عملهم وفي كيفية تعاملهم مع مفاصل الحركة وقواعدها الحزبية باعتبارهم أصحاب الولاية في منح الثقة أو حجبها عن الرمز القيادي.
ثمة شخصيات مهمة، كان يجب أن يتم العمل لدفعها وانتخابها لتكون في الموقع القيادي الأول، لمصلحة الحركة ومصلحة الشعب الفلسطيني، يقف في طليعتهم الشخصية الأكاديمية البارزة سري نسيبة رئيس جامعة القدس، فوجود مثل هذه الشخصية الحزبية في صفوف اللجنة المركزية لحركة فتح، كان سيشكل دون شك مكسباً معنوياً وأدبياً لحركة فتح وللفلسطينيين أمام العالم، ولكن المؤتمر أخفق في التقاط هذه الرسالة المهمة.
كما سجلت انتخابات المجلس الثوري أهمية بالغة لا تقل عن أهمية نتائج انتخابات اللجنة المركزية وتتعداها، فقد برزت القيادات الشابة المجربة في أتون المواجهة المباشرة مع الاحتلال في مواقع النضال المختلفة، فهي حصيلة ووليدة الانتفاضة الشعبية، وتربية السجون، وفيها صلابة المعتقلات وثقافتها، وسقطت في الانتخابات الرموز السابقة العتيقة التي أخذت مواقعها وشبعت واستنفذت دورها وتعبت، بعد أن تحول قطاع واسع منهم إلى مجموعة من الموظفين المستفيدين0
فهذه القيادات المنتخبة هي الأكثر دراية بالواقع المعاش على الأرض الفلسطينية والمكون من عاملين لا ثالث لهما وهما الشعب الفلسطيني ومؤسساته وأحزابه وقواه السياسية وفعالياته المختلفة من جهة، والواقع الإسرائيلي بكل قسوته وتفوقه السكاني والعسكري والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي والإستخباري من جهة أخرى.
استخلاصات ونتائج مؤتمر "فتح" السادس تتمثل في أنها غيرت المعادلة الفتحاوية، فالتغيير الذي تم ليس شكلياً وليس تغيير أشخاص، بل تغيير جوهري، أدى إلى توطين حركة فتح على أرض الوطن وبين صفوف الشعب، ولذلك كانت الغلبة في صندوق الاقتراع لصالح أولئك الذين يعيشون على أرض الوطن ووسط شعبهم وتحت الاحتلال أو في مواجهته، ولم يعد القرار لأولئك الذين يعيشون في المنافي والشتات، فقد أصبحوا هامشيين بما يوازي حجمهم وفعالياتهم، على عكس الماضي قبل "أوسلو" وقبل انعقاد مؤتمر "فتح"، حيث كانت الغلبة وكان أصحاب القرار هم قادة المنفى، وكانت الثقافة السائدة هي ثقافة المخيم والشتات والتي تراجع دورها وتأثيرها لصالح ثقافة الوطن بكل أوجاعه وعذاباته واحتياجاته.
لقد كان الفضل لياسر عرفات في نقل قضية الشعب الفلسطيني، ونقل رأس وجسم الحركة الوطنية الفلسطينية من المنفى إلى الوطن بفعل اتفاق أوسلو، وجاء الفضل لقرار محمود عباس في نقل حركة فتح من المنفى إلى الوطن بعقد مؤتمرها على أرض فلسطين، وبالتالي توطين "فتح" وإعادة فلسطنتها بين شعبها وداخل مساماته، وهذا هو التغير الجوهري والنقلة النوعية التي قادها أبو مازن بعد أبو عمار.
وقد تم ذلك بدون إغفال المنافي والشتات ولكن بعد تصويب الوضع، حيث بات التمثيل والقيادة لأبناء الضفة والقدس والقطاع، بدون إغفال دور الذين لا يزالون في المنافي والشتات. ويسجل لمؤتمر حركة فتح وعيه المميز بانتخاب أوري ديفز في الموقع 31 من بين 81 عضوا في المجلس الثوري، وهذا يدلل على نوعية حركة فتح وأهميتها كتنظيم يؤمن بالتعددية ويصونها من خلال انتخابات شخصيات تمثل الطيف الإنساني الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين ويهود، ومن عرب وغير عرب، وهو سلاح قوي يميز حركة فتح ورسالة تستحق الإقرار والتسويق على المستوى الدولي.